التاريخ الهجري شعار الأمة الإسلامية
- في بداية هذا الحديث نود إلقاء الضوء على أهمية التاريخ الهجري ومكانته عند الأمة الإسلامية ؟
تاريخ أية أمة هو رمز وشعار لها وله دلالات تحمل معاني في الاعتزاز بأيام هذا التاريخ ، ولذلك نجد أن اليهود عظموا زمن موسى عليه الصلاة والسلام فأرخوا أحداثهم من زمن نبوته ، والنصارى عظموا ميلاد عيسى عليه السلام فأرخوا أحداثهم من زمن هذه الهجرة ... ، وكل أمة من الأمم تحرص على التمسك بالتاريخ الذي له صلة بمعتقداتها وحضارتها .. ، وعندما تكون الأمة مغلوبة متأثرة بغيرها فإنها تعتمد على تاريخ غيرها من الأمم، ولذلك فإن على المسلمين التمسك بالتاريخ الهجري، إذ أن التمسك به في الحقيقة تمسك بجزء من خصائص الشخصية الإسلامية.. ولقد أدرك أعداء الإسلام أهمية تمسك المسلمين بالتاريخ الهجري وأثره في ربط المسلمين بدينهم وحضارتهم وتاريخهم المجيد فحاولوا إقصاء المسلمين عن التمسك بالتاريخ الهجري والعدول عنه إلى التاريخ الميلادي وقد نجحوا في تحقيق هذه المهمة في معظم بلدان العالم الإسلامي حتى أصبح التاريخ الهجري غريبا عند معظم المسلمين ، بل إن جميع دول العالم الإسلامي –باستثناء المملكة العربية السعودية – تعتمد رسمياً في تاريخها على التاريخ الميلادي تاريخ النصارى ، فانظر إلى هذه التبعية المقيتة والتقليد الأعمى للغرب حتى في التاريخ الذي يمثل شعار الأمة ورمزها ، والمملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي تعتمد على التاريخ الهجري ، وقد نص على ذلك النظام الأساسي للحكم في مادته الثانية... ، ومطلوب من علماء الإسلام دعوة المسلمين إلى التمسك بالتاريخ الهجري وعدم العدول عنه إلى تاريخ النصارى التاريخ الميلادي . ويلاحظ التقصير الكبير من علماء العالم الإسلامي في هذا الجانب ... ، وأذكر أنه عقدت دورة شرعية في دولة من دول العالم الإسلامي فأعلن عنها وأعلن عن بدايتها بالتاريخ الميلادي من غير أن يذكر التاريخ الهجري ... فعاتبت الإخوة القائمين على تلك الندوة فقالوا : أن الناس لا يعرفون هنا سوى التاريخ الميلادي ولا يعرفون التاريخ الهجري فقلت لهم : واجب عليكم أن تعرفوا المسلمين بالتاريخ الهجري الذي هو رمز وشعار أمتهم لا أنكم تسايرون ما رسمه أعداء الإسلام من إقصاء المسلمين عن التاريخ الهجري والعدول عنه إلى تاريخ النصارى.
- كيف نشأ التاريخ الهجري ، وهل كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
- كان العرب قبل الإسلام يستخدمون التقويم القمري ويتعاملون مع الأشهر القمرية ، ويؤرخون بأبرز الأحداث ، وهكذا كان الأمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد أرشد الله تعالى المؤمنين في كتابة الكريم إلى الاعتماد على الأهلة في عباداتهم وأمورهم كما في قول الله سبحانه : } يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ... { [ البقرة : 189 ] .
فكان المسلمون يعتمدون على الأهلة في أمور عباداتهم وأحوالهم ..
ويؤرخون بأبرز الأحداث كعام الفيل ونحوه .... ، ولما كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى الاشعري رضي الله عنه أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر رضي الله عنه الصحابة واستشارهم ...واستقر الرأي على أن يكون ابتداء التاريخ الإسلامي من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لكونها من أعظم الأحداث الإسلامية فقد فرق الله بها بين الحق والباطل ، وأصبح للمسلمين بعدها دولة وقوة ، وقد ذكر بعض العلماء أن في القرآن الكريم إشارة إلى ابتداء التاريخ الإسلامي بالهجرة وذلك في قول الله تعالى : } لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ... { [ التوبة : 108]
ففي قوله ( من أول يوم ) إشارة إلى أن ذلك اليوم ينبغي أن يكون هو أول أيام التاريخ عند المسلمين، وهو ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم فجعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
يري بعض الناس أن التاريخ الميلادي أكثر دقة من التاريخ الهجري فهل هذا صحيح؟
- ينبغي أن نعلم أولا أن التاريخ الميلادي مرتبط بحركة الشمس أما التاريخ الهجري فمرتبط بحركة القمر ، ولذلك فإن فصول السنة من شتاء وصيف وربيع وخريف تكون ثابتة بالنسبة للتاريخ الميلادي ، أو متغيرة بالنسبة للتاريخ الهجري ، ولذلك فإن من الحكمة ربط أمور العبادة بالتاريخ القمري يصومون يوماً طويلاً جداً ابد الدهر وآخرون يصومون يوماً قصيراً جداً أبد الدهر. ولذلك قال الله عز وجل: } يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ... { [ البقرة: 189 ]. فهي مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص فينبغي أن يؤرخ الناس كلهم بها ولذلك فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن اليهود والنصارى كانوا في أول أمرهم يعتمدون على التاريخ القمري لكنهم حرفوا وبدلوا بعد ذلك ...
والتاريخ الهجري يتميز بأنه يعتمد على الأهلة وهي علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه فمتى رؤي الهلال أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق ، أما الأشهر الميلادية فهي وإن كان مجموعها يشكل السنة الشمسية إلا أن التفاوت فيما بينها خضع لشيء من التغيير والتبديل فقد كانت الأشهر اثنا عشر شهراً شمسيا، الفردي منها واحد وثلاثون والزوجي ثلاثون إلا الشهر الثاني ( فبراير) فكان ثمانية وعشرين إلا في السنة الكبيسة فيصبح تسعة وعشرين ، وبعد انتصارات يوليوس قيصر أراد أن يخلد اسمه بتسمية أحد الأشهر باسمه فاختار الشهر السادس ولكونه ثلاثين يوما أخذ من الشهر باسمه فاختار الشهر السابع يوماً ليكون شهره من الأشهر الطويلة فكان شهر ( يوليو ) ، وبعد ذلك أتى أغسطس قيصر وحقق انتصارات وأراد أن يخلد اسمه بتسمية أحد الأشهر باسمه – على غرار من سبقه فاختار الشهر السابع ولعدم رغبته في أن يكون شهره قصيراً وعدم قدرته على اخذ يوم من شهر يوليو أمر يأخذ يوم من شهر فبراير !! ليصبح شهر أغسطس واحدا وثلاثين يوماً كذلك ، أما شهر فبراير فيصبح ثمانية وعشرين يوماً إلا في السنة الكبيسة فتسعة وعشرين والناظر في هذه التغييرات يتبين له هزالة هذا التقويم ... ، ولهذا طرحت مشروعات لتغيير الأشهر الميلادية لتكون على وجه منضبط لكنها عورضت من قبل الأحبار والرهبان وبهذا يتبين الفرق الشاسع بين التاريخ الميلادي وبين التاريخ الهجري الذي يعتمد دخول الشهر فيه وخروجه على أمر ظاهر محسوس لجميع الناس وهو الهلال.
ثم إن الإنسان بإلقاء نظرة على القمر يستطيع أن يعرف هل هو في أول الشهر أو وسطه أو أخره ، بينما لا يمكن ذلك في الشهر الميلادي لكونه مرتبطاً بحركة الشمس.
ولكن بعض الشركات والمؤسسات تبرر لاعتمادها على التاريخ الميلادي بأنه ثابت بينما التاريخ الهجري متغير فتارة يكون الشهر 29 يوماً وتارة يكون 30 ومع هذا التغيير يصعب وضع خطط وبرامج الشركات بناء على التاريخ الهجري .. فكيف يجاب عن ذلك ؟
نقول : هذا التبرير غير مقبول إذ أن الخطط والبرامج طويلة المدى يمكن أن توضع على التقاويم الهجرية ، وهي تقاويم مدنية اصطلاحية وصنعت لعشرات السنين فيمكن أن يعتمد عليها في وضع الخطط والبرامج وفي العقود والتعاملات المدنية عامة ، أما أمور العبادة من الصيام والحج وغيرها فتعتمد على رؤية الهلال في أول الشهر .
وعلى سبيل المثال : تقويم أم القرى وهو التقويم الرسمي في المملكة العربية السعودية قامت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بإعداده حتى نهاية عام ( 1450هـ ) فهو تقويم ثابت ولسنوات طويلة فيمكن وضع الخطط والبرامج المستقبلية بناء عليه مثلاً ... وللمملكة تجربة رائدة في هذا المجال، فهي من حين تأسيسها تعتمد على هذا التقويم وتضع خططها ومشاريعها المستقبلية بناء عليه.
كلمة أخيرة تود أن تقولها؟
أوصي المسلمين عامة بالتمسك بالتاريخ الهجري ، فالتمسك به يعني التمسك بالشخصية الإسلامية ويعني كذلك حفظ الهوية التاريخية للأمة الإسلامية فجميع الأحداث الإسلامية قد دونت بالتاريخ الهجري كما أوصي العلماء والدعاة إلى الله بربط الناس بالتاريخ الهجري الذي يمثل شعار الأمة الإسلامية وترمز مجدها ... والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
|