الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد:
فإنّ مما نراه واقعاً في زماننا هذا كثرة الفتن، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن كثرة الفتن من اشراط الساعة، ولذا فنحن بحاجة إلى تأصيل فقه الأزمات والفتن على ضوء النصوص الواردة في الكتاب والسنة حتى يكون عند المسلم أصولاً يرجع إليها ويبني عليها نظرته وتقويمه لما يقع من إحداث، وهذا أمر في غاية الأهمية.
ولذا ينبغي أن يعنى به العلماء والمربون، خاصة مع هذه الثورة التي نراها في عالم الاتصالات ووسائل الإعلام، ولعل أحداث التكفير والتفجير التي تعيشها الأمة الآن خير الشاهد لهذا.
فإنّ هؤلاء الشباب الذين قاموا بهذه الأعمال المنكرة، لو كان عندهم فقه مؤصل في هذا الباب لما حصل ما حصل، ولذا تلقفهم من تلقفهم من أهل البدع والأهواء، وألقوا عليهم شبهاً ولبَّسوا الباطل بشيء من الحق، فأضروا بمجتمعهم وأمتهم وبأنفسهم قبل ذلك.
وأذكر باختصار بعض الأصول العظيمة في هذا الفقه:
فمنها: أهمية اجتماع الكلمة في الأمة ووحدتها وعدم تفرقها، كما قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ... ). [سورة آل عمران، الآية: 103] وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ... ). [سورة الأنعام، الآية: 159].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرِّق جماعتكم فاقتلوه". [متفق عليه]. وفي رواية لمسلم: "من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان". وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية".
وفي حديث أخر يقول عليه الصلاة والسلام: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له". [رواه مسلم]. وفي حديث أبي هريرة يقول عليه الصلاة والسلام: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية". إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة جداً.
حتى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقول: "إن النبي صلى الله عليه وسلم غلَّظ في هذه المسألة وأبدى وأعاد، وما ذاك إلا لأهمية هذا الأصل العظيم وعظيم منزلته من دين الإسلام".
ولهذا فنحن بحاجة إلى تأصيل هذا الأصل العظيم في نفوس المسلمين، وبخاصة في نفوس الشباب، وهناك نموذج مصغر يمثل هذا الأصل يشهده المسلم في اليوم والليلة خمس مرات، وهو الاجتماع لصلاة الجماعة، فيجتمع جماعة من المسلمين، ويرصون الصفوف، ويتقدمهم إمام واحد، ويتابعونه في جميع أفعال الصلاة، ولا يخالفونه، وهذا الاجتماع من الجماعة على الإمام في الصلاة يوحي بأهمية اجتماع الأمة على إمام واحد، وعلى متابعته وطاعته وعدم مخالفته.
ومن هذه الأصول: أنه عند حصول الأزمات والفتن فينبغي أن ترد الأمور إلى أهلها من العلماء وأهل الحل والعقد، ولا يخوض فيها كل أحد حتى لا تعم الفوضى والاضطراب، كما قال الله تعالى: )َإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). [سورة النساء، الآية: 83].
ومن هذه الأصول: التثبّت والأناة، وعدم الاستعجال عند وقوع الفتن، خاصة في الأمور التي يترتب عليها نتائج كبيرة، إلى غير ذلك من الأصول العظيمة في هذا الباب.
وبكل حال فهذا الموضوع في غاية الأهمية، ويحتاج إلى مزيد عناية ونظر من العلماء وطلاب العلم.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، وأن يجنبنا مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
|